الرئيسية الأعمدةقلم ناعم الإعلام المُستنسخ

الإعلام المُستنسخ

بواسطة فدوى احمد عبدالرحمن
521 مشاهدات

حين بدأنا بإنشاء راديو مجلة السودان الذي سينطلق قريباً، ووفقاً لبعض المقاييس التي لابد أن تنطبق بشكلٍ أو بآخر إن شاء الله؛ عادت بي الذكريات للأيام الخوالي عندما كنت طالبة في المستوى الثاني بكلية الإعلام، كنت شغوفة جداً بممارسة الإعلام عملياً وآخر اهتماماتي هو الجانب النظري الأكاديمي، ويرجع ذلك لعدد من الأسباب التي لا يمكن البوح بها في هذا المقال… لكن من ضمن هذه الأسباب ميولي الشديد للعمل الميداني.
أذكر مع بالغ الاعتذار أنه كلما زرت مؤسسة إعلامية بغرض التدريب، وبعد الكثير من العقبات المفتعلة من أصحاب القرار بشأن إلتحاقي؛ يُكلف أحد المنسوبين ليشرح لي تفاصيل أو سياسة المؤسسة إلى جانب عدد من الوصايا التعليمية التي يجب عليَ تطبيقها لأكون متدربة صاحبة آداء جيد.
بحكم عمري وقلة خبرتي في الحياة بشكل عام كنت أطبق جملة تلك الوصايا سواء إقتنعت بها جميعها أو لم أقتنع، رغم اختلاف النشاط الإعلامي لهذه المؤسسات والتباين في سياساتهم كما يدعون؛ إلا أنهم جميعاً كانوا مستنسخين من بعضهم البعض!
كأمثلة سريعة وغير تفصيلية فيما يتعلق بالتحرير الصحفي وفنون الكتابة تكررت الوصايا حول طبيعة اختيار الكلمات في بداية كل فقرة على نحو ممنهج لا يمكن تخطيه. أما فيما يتعلق بالإعداد فيجب أن نتفنن في حشو المادة بالكلمات والجُمل الاستدلالية المرتبطة بذهن القارئ، ومن خلال تجربتي وملاحظتي أنه برغم تميز هذه الأسلوب في الإعداد وشدة الحاجة لذخيرة لغوية وفيرة إلا أن المبالغة فيه كثيراً ما شوهت من جماليته. مؤخراً شاهدت تقريراً يتحدث عن (مطعم) كثرة الاقتباسات والاستدلالات في ذلك التقرير جعلته مزعجاً جداً؛ إليكم مقتطفاً من نص الإعداد (ما يُقدم من وجبات تجاوز خصوصية الزمان والمكان وجعلت أفئدة من الناس تهوي إليها تجذبهم دهشة المذاق…الخ). السؤال لما كل هذه المبالغة؟ هل كان الوصف لطبقٍ أو لمطعمٍ أم لبيت الله الحرام؟!
ننتقل إلى جانب الاستنساخ المسموع وهذا ما سنركز على تفاديه حين ينطلق راديو مجلة السودان، حقيقة يجب الاعتراف بها لنعمل جميعاً على معالجتها، أغلب الأساليب التقديمية في إعلامنا هي مستنسخة.
كيف حدث هذا الاستنساخ؟
حين يتقدم الخريجين الجدد للعمل في هذه المؤسسات بنزاهة وليس بالوساطات طبعاً؛ يتم إخضاعهن لعدد من المقابلات ثم الدورات التدريبية التي غالباً ما تحقق نتائج عكسية، فبدلاً من أن تصقل قدراتهم المتميزة والمتنوعة تعمل تلك الدورات على غسل الأدمغة لإنشاء نسخة مستنسخة من جيل السابقون وقولبة اللاحقون والخارج عن هذه الملة ملعون مطرود من رحمة الإعلام!
حاول أن تتذكر معي عزيزي القارئ عدداً من أساليب إلقاء الشعر في إعلامنا السوداني… أو طرق تقديم البرامج التلفزيونية، نمط الإذاعات المسموعة؛ تجد حتى الهواة ممن لا رغبة لديهم في الانضمام إلى المنصات الإعلامية يتبعون نفس النمط وكأنه منهج مُنزل مُقدس عليهم إتباعه! بالفعل إعلامنا أثر سلباً على مستوى الإبداع الأدبي وسرعة نموه وازدهاره، وحين تجد واحداً في المئة يعبر في أحد مقابلات الخريجين عن استيائه من النمطية وحماسة لإحداث تجديد وتغيير جذري تجد نظرة من (الدهشة+ الهرشة) في عيون لجنة التقييم وكأنما ينعتونه بقليل الأدب الذي لم يحترم جهودهم التاريخية!
نيابة عن كل خريج استثنائي متحمس للتغيير وذو رؤية مستقبلية متألقة اصطدم بالواقع، اسمحوا لي بخطاب التوضيح هذا: (السادة أعضاء لجنة التقييم، السادة المخضرمين، نحن جيل يحترم ويقدر ويفتخر بكل ما قدمتموه في الماضي، فقد كان لبلادنا الأسبقية في دخول الاعلام مقارنة بالعديد من الدول العربية أو المجاورة، ولقد حدث ذلك بفضل جهودكم العملاقة وعطائكم الممتد فقط اسمحوا لنا بالتغيير، بالتجديد، بالمواكبة إلى متى سَنَعلقُ بالماضي ونستمر بإعادة نفس الشريط؟).

ربما يعجبك أيضا

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقبل أقرا المزيد...