الرئيسية تاريخ وسياحةتاريخ السودان عهد التركية في السودان (الحكم العثماني) ج”٧”

عهد التركية في السودان (الحكم العثماني) ج”٧”

بواسطة مأوى عبدالعزيز
نشر اخر تحديث 220 مشاهدات

مازلنا نروي الأحداث ونسرد الوقائع من عهد التركية في السودان، فالحكم العثماني في البلاد لم ينتهي بموت الباشا بل جاء من بعده من يخلفه من الخديوية والحكام سائرون بنفس النهج ، رغم ما أحدثوا من تغيرات طفيفة في الإدارة.

تربُع عباس الأول على عرش السلطة :-
تولى عباس الأول بن طوسون بن محمد علي باشا الحكم في مصر في نوفمبر عام ١٨٤٨ بعد وفاة عمه إبراهيم باشا الذي كان وصياً على العرش لكبر سن محمد علي، وإعتلال صحته ولما مات الباشا سنة ١٨٤٩ إستقل عباس الأول بالسلطان، حينها كان خالد خسرو مازال حكمدارا على السودان وكان هو وحكام المديريات قد إنتهزوا فرصة شيخوخة محمد علي، وضعف رقابته فأخذوا يملئون جيوبهم بالمال الحرام من الرشوة والإختلاس، فأهملوا الإدارة فإختل الجهاز الحكومي.. فلما أدرك عباس هذه الحالة من الفوضى في السودان قام بإرسال عبد اللطيف  حكمدارا على البلاد.

عباس الأول بن طوسون

الحكمدار عبداللطيف باشا و محاولاته في تحسين مستوى الإدارة :-
في بداية الأمر كان عباس قد أمد عبد اللطيف بعدد من الكتبة والمحاسبين كما أمره باليقظة في مراقبة الموظفين، وبالشدة في فى معاقبة المرتشين والمختلسين منهم. ومن جانبه عمل على رفع مستوى الإدارة في خطوة تهدف إلى تعزيز دور مديرين الأقاليم فقد رفع رتبهم  من رتبة عقيد إلى رتبة العميد ؛ حتى يحتل تلك المراكز رجال أكثر مسئولية. كما جعل المدة التي يقضيها الموظف في الأقاليم المختلفة بحسب موقع البلد الجغرافي، ونوع مناخه، وبعده وقربه من مصر – فكانت المدة تطول كلما قرب البلد من مصر وتقصر كلما بعد عنها – فالموظف في دنقلا يقضي ثماني سنوات، وفي الخرطوم ست سنوات،  وفي كردفان و فازوغلي أربع سنوات كما كان عبداللطيف حازماً في تعامله تجاه المديرين والموظفين فقد منع أن يغادر الموظف مقر عمله إلا بعد وصول من يحل محله، ولا يؤذن له بالعودة إلى مصر قبل إنتهاء مدته إلا بشهادة طبية تمتحن صحتها في مصر فإذا ثبت أنها غير صحيحة عُوقب الطبيب والموظف كلاهما، ويجب على المدير أيضا أن يبقى في مديريته أربع سنوات ولا يبارحها إلا بإذن.
وفي عهد عبداللطيف باشا ضمت مديرية فازوغلي إلى مديرية سنار، وفصلت دنقلا عن بربر فأصبح كل منهما مديرية قائمة بذاتها مع إضافة بلاد الجعليين إلى مديرية بربر . وفي وقت لاحق شكى عبد اللطيف إلى عباس إزدياد نفوذ التجار الأوربيين وحملهم للأسلحة، وإقترح أن تعيد الحكومة إحتكار الصمغ والعاج وخطا خطوات عملية في هذا السبيل، ولكن التجار الأوربيين ضغطوا على عباس الأول بواسطة حكوماتهم وقناصلهم في الإسكندرية فإضطر عباس إلى الإستجابة لهم.. بهذه الخطوات تم عزل عبداللطيف وتعيين رستم باشا جركس بدلاً عنه.
  تطور الخدمات التعليمية والطبية :
شهد عهد عباس الأول بداية التعليم النظامي في السودان، فقد أمر بإنشاء أول مدرسة إبتدائية في الخرطوم وجعل رفاعة بك الطهطاوي ناظرا لها. ومحمد أفندي بيومي ضابطاً وكلاهما ممن تعلموا في فرنسا. وفي الحديث عن تلك المدرسة الأولى في السودان نجد بها ٨٤ تلميذاً ومعظمهم من أبناء الموظفين وبها أيضا ١٢ معلما؛ وكانت العلوم التي تدرس فيها هي القرآن، واللغة العربية، واللغة التركية، والحساب، ومبادئ الهندسة وبعض المهن. وسنجد أيضاً أن عباس لم يصدر سياسته هذه عن رغبة خالصة لنشر العلم والتعليم  ولكنه حاول جاهداً بإبعاد رجال العلم من مصر إلى السودان ولم يتبين لنا الأثر الذي تركته تلك المدرسة ولكن مما لاشك فيه أن وجود أمثال الطهطاوي وبيومي وغيرهما في الخرطوم كان له بعض الأثر في الطبقة المتعلمة في السودان آنذاك وقد ذُكِروا بالخير وحزنت الخرطوم على وفاة بيومي أفندي فيها.

رفاعة بك الطهطاوي

وفي محاولات تطوير الخدمات الطبية أرسل عباس إلى السودان ٣٢ من الأطباء والصيادلة ليوزعوا على المديريات، لعلاج الجنود والموظفين كما فتحت أول صيدلية في الخرطوم.. على كل حال كانت هذه أولى الخطوات في تأسيس الخدمات التعليمية والطبية. وإن لم يقصد بها عامة أهل البلاد.
الخلاصة العامة لإدارة عباس الأول في السودان :
محاولات وخطوات عباس الأول تجاه السودان والسودانيين كانت ملحوظة كما شهدنا، ولكن بالرغم من هذا كله ، باءت تلك المحاولات بالفشل ولم تنجح بسبب قصر المدة التي قضاها الحكداريون في عهده – فقد قضى كل واحد منهم نحو سنة واحدة – وهي مدة لا تتيح له بأن يلم بأحوال بلاد واسعة كالسودان، أو أن ينفذ مشاريعه. كما أن سرعة تعاقبهم قد أدى إلى إضطراب الإدارة.

Digiprove sealCopyright secured by Digiprove © 2021 Ashraf Eltom

ربما يعجبك أيضا

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقبل أقرا المزيد...