الرئيسية السينما الصمم بين الذُعر والتقبل .. وكيف يُرشدنا فيلم Sound Of Metal لدرب الإنسجام مع الإعاقة ..

الصمم بين الذُعر والتقبل .. وكيف يُرشدنا فيلم Sound Of Metal لدرب الإنسجام مع الإعاقة ..

بواسطة مازن أسعد عثمان
نشر اخر تحديث 252 مشاهدات

 

Sound Of Metal 2020

 

IMDb : 7.8/10

Rotten Tomatoes : 96%

 

هذا الوجود اليومي هشٌ جداً، في لحظة ما أنت تمتلك كل ما تحتاج إليه، وفي أخرى أنت تفقد كل شيء، ينقلب عالمك رأساً على عقب، وكل ما في يدك الهروب أو الترجل قُدماً ..

القصة

يدور الفيلم حول (روبن)، عازف طبول موسيقى الهيفي ميتال مع صديقته المغنية (لو)، يتشاركان حياة الهيبي الجميلة بين تقديم العروض والسفر عبر الطرقات بمنزلهما المتنقل، لكن الفيلم لا يُضيع الكثير من الوقت للوصول لجوهر قصتهما، نشاهد عازف الدرامز يدرك أن سمعه يختفي بشكل كبير، هذا ليس مجرد رنين في الأذنين أو فقدان سمع طفيف، هذا شيء أخر ..

 

في أول لقاء له مع الطبيب، قال له أنه فقد 80-90٪ من سمعه، ومن المرجح أن يتبعه الباقي قريباً، يمكنه إجراء جراحة، لكنه لا يملك المال .. مع إنفعالات متفاوتة ينقل لنا (ريز أحمد) الهدوء الذي غالباً ما يأتي مع الخوف والإنكار، ثم الإنفجار أمام صدمة الواقع ..

قدمت لنا بداية الفيلم صورة مُبسطة عن (روبن) و (لو)، وكيفية تفاعلهما مع الصمم، لكن معظم التركيز كان حول نفسيات روبن وذُعره من الإعاقة بإعتبارها نقيصة ..

ومع ذلك، تعلم (لو) أن هنالك مشكلةً أخرى يجب وضعها في الاعتبار، روبن مدمن متعافي .. لقد كان نظيفاً لمدة أربع سنوات، لكنها تعلم أن الصدمة غالباً ما تُؤدي إلى الإنتكاس، وتعلم أن روبن يحتاج إلى التركيز وإلا سيدمر نفسه ..

مَن مِنا لم يدفع شياطينه بعيداً أو حتى عيوب شخصيته بالنشاط والضوضاء !! غالباً ما نُلهي أنفسنا عن ظلامنا بأي وسيلة ضرورية .. تخيل أن تصبح خبيراً في شيء مثل الطبول فقط لتمزيق كل شيء، ثم تخيل عدم قدرتك على استخدام تلك العكازات القياسية التي كنت تفعلها كثيراً في حياتك لتشعر بتحسن .. يمكن اعتبار الفيلم على أنه دراما عن الصمم، لكن الإدمان جزء بارز من هذه القصة ..

 

تأخذ (لو) (روبن) إلى منشأة يديرها رجل يُدعى (جو)، حيث يُخبر (روبن) أن هذا ليس مكاناً لإصلاحه أو علاجه، إنه مكان لتعليمه كيفية العيش مع الصمم وليس تصحيحه .. بمعنى ! إنه نوع مختلف من مرافق إعادة التأهيل، وهنا يحدث الجزء الأكبر من الفيلم، حيث يلعب دوره في الغالب كمراقب، يُشاهد الأطفال الصُم وهم يتعلمون في فصل دراسي أو يتنزهون في الأرجاء، يسحب (جو) المزيد من الإلهاءات بعيداً عن (روبن)، مما يُجبره على الجلوس وكتابة أفكاره ومشاعره من نواحٍ عديدة، لذلك فإن فيلم (Sound Of Metal) هو فيلم يدور حول روح مضطربة تبحث عن الهدوء والسلام ..

الرؤية

الفيلم بصورة عامة يتمحور حول الإعاقة وكيف ينظر الجميع لصاحبها، وكيف تؤثر في حياته وحياة الأخرين، وحول الفهم الشائع أن الإعاقة في مجملها سيئة ولا خير فيها، وكيف يمكننا التعايش مع ذلك الصمت الرهيب أو الضوضاء المشوشة التي تصرخ بداخل رؤوسنا ولا يمكننا التخلص منها ..

الجوانب الفنية

التصوير المميز وجودة الإخراج من (داريوس ماردر) أبرزت لنا الألم والتصور الراسخ عند شخصية روبن حيث كل الأحداث موجهة لإظهار مدى تقلبه وتأقلمه مع الإعاقة وبحثه الحثيث لإعادة النبض في أُذنيه ..

لكن وبلا شك أن النجم الأبرز في الفيلم هو تصميم الصوت، يضعنا بإنتظام في حالة روبن، حيث نسمع أصواتاً مكتومة أو محادثات غير مفهومة .. في الواقع، من المثير للإهتمام ملاحظة كيف يُحاصرنا المخرج بالصوت كما يسمعه روبن تماماً وعندما يسمح لنا بالهروب منه .. يصبح الأمر كما لو أننا نحن من نهرب من الصوت بدلاً عن روبن، ومن الجدير بالذكر أيضاً أن المخرج يسمح للصمت بالهيمنة .. إنه لأمر مخزٍ أن يرى معظم الناس هذا على هواتفهم، لأنه لا يحتاج لأي مُشتت، ضع الهاتف جانباً، دع الهدوء يُغرقك .. إنه فيلم مُصمم ليُغلفك وليس مجرد تشغيله في الخلفية .. من الصعب الإستماع لكل الصخب الموجود في الحياة بعد خوض تجربة الهدوء التام خارجياً وداخلياً، لا صوت لا طنين ولا ذبذبات، لا شيء على الإطلاق، فقط صمت مخيف ..

بقدر الإتقان الذي شهده تصميم الصوت، فهو حقاً فيلم (ريز أحمد) .. ليس من المستغرب أنه تعلم العزف على الطبول في الأشهر الستة التي سبقت تصوير الفيلم، ودرس الصمم .. إنه فيلم لا يسمح فقط بالصمت بل يزدهر فيه، حيث ترسم عيون أحمد ولغة جسده قوس شخصيته، عمله هنا هو نموذج لضبط النفس، أداء يتناسب مع الإنفعالات الواقعية منخفضة المستوى بدلاً من الواسعة، في كل مرة يزداد قوة من خلال الشعور بمزيدٍ من الواقعية .. الأداء التمثيلي بالعموم كان متميز من كل الطاقم وبالأخص (أوليفيا كوك) و (بول راجي) ..

مُخرجات

الأفلام التي تدور حول الأحداث المتغيرة للحياة دائماً ما تُؤدي إلى إثارة الميلودراما في القلب، وتنقلك عبر بوابة التأثير لعيش كافة التفاصيل كأنك تخوضها ..

الأفلام في إحدى صورها هي وسيلة تعاطف، ليست عناصر القصة فقط هي التي تجعل الفيلم ألة تعاطف أو حتى نوايا صانع الأفلام .. لكي تنجح حقاً يحتاج الفنان إلى نفس التعاطف مع شخصيته، وهنا (ريز أحمد) كان بحاجة إلى إيجاد طريقة لموازنة الدراما التي لا يمكن تصورها لشيء مثل الصمم مع الإنسانية التي يمكن الإرتباط بها، وقد فعل حقاً، إنه ملهم ..

من خلال المشهد الختامي، يمكن القول أن الفيلم دعوة للتأمل لكل ما يُصبينا في الحياة، ومحاولة إيجاد لا أقول النظرة الإيجابية وإنما الإنسجام والتوازن، ربما تفتح لنا الإعاقة أبواباً للراحة لا نستطيع الوصول إليها ..

ربما يعجبك أيضا

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقبل أقرا المزيد...