الرئيسية تاريخ وسياحةتاريخ السودان العصور الحجرية في السودان الجزء الأخير

العصور الحجرية في السودان الجزء الأخير

بواسطة زهراء جبريل حلو
نشر اخر تحديث 1.2K مشاهدات

العصر الحجري الحديث:-
مصطلح النيولثيك مصطلح يوناني الأصل يأتي بمعنى العصر الحجري الحديث. وأن أول من أطلق مصطلح عصر حجري حديث هو عالم الأثار جون لوبك في عام 1856م.

وقد بدأ استخدام هذا المصطلح في منتصف القرن التاسع عشر للدلالة على التحول الإقتصادي ،والإجتماعي ،والثقافي الذي شكل حدثاً مهماً في تاريخ البشرية. تجسد لنا التحول الإقتصادي في إنتقال حياة إنسان قاطع الحجر من التنقل والصيد وإلتقاط الثمار الخلوية، إلى الإستقرار، وممارسة الزراعة، وتدجين الحيوانات. مما قاد إلى نشوء القرى الزراعية الأولى التي ميزت العصر الحجري الحديث، وقد شكل هذا التحول إنعطافا جذريا في التاريخ البشري مما أطلق عليه الباحثين اسم ثورة العصر الحجري الحديث،أو الثورة الزراعية .أما التحول الإجتماعي،والثقافي فقد تجسد لنا في التطور الفكري الذي نستطيع تلمسه من خلال الثقافة المادية التي تظهر لنا في صناعة أدوات الزينة، والتماثيل، والمعتقدات المجسدة في الرسوم الجدارية، والفنون.

في العام 1949م قام عالم الأثار أنطوني أركل بإجراء حفريات أثرية للبحث عن مواقع للعصر الحجري الحديث في موقع الشاهيناب،الذي يقع علي الضفة الغربية للنيل شمال أمدرمان، وتكلل سعي أركل بإكتشاف مخلفات حجرية وعظمية إشتملت على فخار وحلي وثماثيل في هذا الموقع.إمتاز أهل الشاهيناب بصناعة أدوات فخارية ذات أسطح لامعة ومصقولة.كما نجدهم برعوا في استخدم الأصداف النيلية لزخرفة الأدوات الفخارية بعد صقلها بالحصاة.وبهذا يعتبر موقع الشاهيناب من أهم مواقع العصر الحجري الحديث. وأن المميزات التقنية التي إكتشفها أركل في هذا الموقع أصبحت فيما بعد هي الأساس الثابت لتصنيف المواقع التي تعود إلى فترة العصر الحجري في السودان.
أظهرت الأبحاث الأثارية نتائج جيدة حول تواريخ مواقع العصر الحجري الحديث مع وجود تباين كبير من حيث الفترة الزمنية. ومن خلال ذلك تم تقسيم العصر الحجري الحديث في السودان إلى ثلاثة فترات وهي:
-العصر الحجري الحديث المبكر

الذي يؤرخ له العلماء في الفترة مابين (6000-4800 ق.م) وقد تمركزت أهم مواقع هذة الفترة المبكرة في شمال السودان،نذكر منها موقع البرقا،وجزيرة صاي،والكدرو1،والصاروبا،والجيلي،والنوفلاب،والخرطوم نوع.

-العصر الحجري الحديث المتوسط

والذي يؤرخ له العلماء في الفترة مابين (4800-4050 ق.م) وتتمثل لنا أهم مواقع هذه الفترة في وسط السودان،ونذكر منها عبكه،    وكدروكة،والشاهيناب،والكدرو،والبطانة.
-العصر الحجري الحديث المتأخر

الذي يؤرخ له العلماء في الفترة مابين (4050-2000 ق.م) هذه الفترة لم توجد لها مواقع في وسط السودان، لكن توجد لها مواقع في أقاليم أخرى منها موقع شق الدود،ومواقع مابين نهر عطبرة وكسلا كشفت عنها هئية الاثار.

أورد بروفيسر أزهري مصطفي صادق عدداً من المميزات التقنية للعصر الحجري الحديث في السودان، في مقال له في مجلة الآداب جامعة الخرطوم تحت عنوان (ماقبل التاريخ في السودان). وأن من أهم هذه المميزات التقنية الأداة المسماة بالمقور، وهي أداة تشبه الفأس اليدوية،أو الإزميل،إعتبرها أركل علامة مميزة للعصر الحجري الحديث في الخرطوم بل أطلق على موقع الشاهيناب ومخلفاته (ثقافة المقور). ويعتقد أركل أن هذه الأداة كانت تستخدم بصورة رئيسية في صناعة المراكب عن طريق حفر جذوع الأشجار .أيضا ميزة إستمرار صناعة الفخار ليصبح من السمات التقنية الواضحة في العصر الحجري الحديث،لكنه يختلف عن فخار الخرطوم القديمة في خاصية الصقل ، ويحتوي على العديد من الزخارف في شكل نقاط. أيضاً ظهور سنارات صيد جديدة مصنوعة من القواقع،والتي تدل بدورها إستمرار الصيد النيلى والبري. بالإضافة إلى مميزات ذلك العصر بالنسبة لأدوات الزينة الشخصية،فقد تم إستخدام القواقع،والحجر الأمازوني في صناعة الخرز.ومن الإختراعات الجديدة في العصر الحجري الحديث في السودان اللوحات الحجرية المصقولة التي أُستخدِمت لطحن الألوان. وقد تم العثور عليها في موقع الكدرو والكدادة .بالإضافة إلى عمل التماثيل الفخارية،وإستخدام مواد متنوعة في صناعة الحلى منها قشر بيض النعام والعقيق الأحمر .

يبدو واضحاً من خلال الأدوات وبقايا عظام الحيوانات التي تعود للعصر الحجري الحديث إستمرار الإعتماد على الصيد البري،والنيلي في المعيشة. مع ظهور أنماط  إقتصادية جديدة من نوعها تمثلت لنا في  نمط الزراعة(زراعة الذرة والدخن)،ونمط تدجين الحيوانات(كالماعز والضأن والأبقار).وقد لعبت الماشية دورا كبيراً في حياة أهل الكدرو.فقد مارس السكان تربيتها على نطاق واسع جداً .وهذا دليل واضح لإستقرار إنسان ذلك العصر ودليل على إنتاج طعامه بنفسه .
فيما يتعلق بالمساكن فشل أركل في العثور على أدلة
مادية توضح طبيعة مساكنهم، لكنه عثر على وجود أثار المواقد التي كانت تنتشر في أغلب مواقع العصر الحجري الحديث. مما جعل أركل يعتقد أنهم ربما شيدوا مساكن مبنية من مواد هشة كالأعشاب أوعيدان القصب فإندثرت أثارها مع عوامل الزمن والطبيعة.

لم يتم العثور في موقع الشاهيناب على أي مدافن الشيء الذي دفع بأركل للقول بأن أهل الشاهيناب ربما كانوا يتخلصون من موتاهم بإلقائهم في النيل، أوبترك الجثث في الخلاء لتاكلها الضباع.لكن بعض العلماء نقدوا هذا التفسير خاصة أن أصحاب حضارة الخرطوم الذين إنحدر منهم أهل الشاهيناب قد دفنوا موتاهم في قبور، إضافة إلى ذلك العثور على مدافن كثيرة في مواقع الكدرو،والسروراب تنتمي لنفس الفترة وتتشابه حضارتهم مع أهل الشاهيناب. وفي مدافن الكدرو تم العثور على الجثث ترقد في وضع قرفصائي داخل القبر،كما لوُحظ وجود عادة وضع القرابين ، وعادة تزين الميت بمختلف الحلي المصنوعة من الأدوات الحجرية كالأصداف.وأن مدافن الشاهيناب ربما اختفت أثارها لعوامل التعرية أو أسباب أخرى.
ختاماً نجد أن فترة العصور الحجرية من أهم الفترات في تاريخ السودان.ونظرا لأهميتها فإنها مازالت تحتاج إلى بحث و دراسة بعمق أكثر لمعرفة بعض الفوارق الزمنية في الحضارات التي تعود إلى تلك الفترات ، وتصحيح بعض الإعتقادات والغموض الذي يتم إفتراضه من قبل العلماء.

ربما يعجبك أيضا

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقبل أقرا المزيد...