الرئيسية تاريخ وسياحةتاريخ السودان لمحة علي المد الروحي المسيحي في النوبة

لمحة علي المد الروحي المسيحي في النوبة

بواسطة هشام ساتي قريشي
414 مشاهدات

#مدخل

وبعد سقوط مروي بيد عيزانا تلت إنقضاء الفترة المروية حقبة غامضة لا يعرف عنها الكثير وذلك لشح  المصادر عنه ، إذ أعقبت تدهورها ضعف في  الإقتصاد وندرة في حركة التجارة والهجرة حتي طالت  الرحالة والمدونين ، وبعد إنهيارها تماماً بالغزو الأكسومي أسس البليمون مملكة  صغيرة وتركزت عبادتهم حول الإله إيزيس  ولكن تمت إزاحتهم من قبل الملك سليكو الذي انتصر عليهم وسجل نصره في نقش في معبد كلابشة وظهر معه الدين المسيحي لأول مرة في السودان كدين رسمي .

نجد أن  معظم المؤرخين ذهبوا إلي أن  الديانه المسيحية هي أول ديانة سماوية دخلت علي شمال السودان ولكن لا أظن هذا صحيحاً فالله تعالي يقول في محكم تنزيله (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ ) صدق الله العظيم .

ولذا يصعب تحديد ما إذا كانت المسيحية أول دين أو لا؟ فمن الأفضل أن نقول لا نملك مصادر أو أي وثائق تشير إلي وجود  أية أديان أخري .

كبف دخلت المسيحية إلي السودان وكيف ومتي ؟

يرجح دخول المسيحية الي السودان في منتصف القرن السادس عشر الميلادي عندما قامت ثلاث ممالك مسيحية وإتخذت المسيحية ديناً رسمياً لها وهي :

مملكة نوباتيا (543م) و عاصمتها فرس وتعرف أيضا بمملكة المريس.

مملكة المقرة و (569م) عاصمتها دنقلا العجوز

مملكة علوه(580م) و عاصمتها سوبا.

ولكن مع تتبع مسار الدين المسيحي سنجد أن المسيحية قد سبقت فترة الممالك الثلاثة ، فقد إنتشرت وسط الأفراد والأسر  وهنالك عوامل أخري ساهمت في دخول المسيحية الي النوبة قبل الدخول الرسمي وتتمثل في حركة التجارة وهروب بعض الناس إلي السودان من الأضطهاد الروماني وهروب بعض الرهبان بعد أن فرضت عليهم الجزية و الضرائب الباهظة.

حسب ما يتوفر لدينا من معلومات فإن أول مسيحي سوداني آمن بالمسيحية هو خصي الكنداكة أماني  وكان ذاك عام 37 م ويذكر أن هذا الخصي كان يعمل وزيراّ لدي الكنداكة أماني ولقد ذهب إلي أورشليم وإلتقي هنالك مع  فيلبس الذي تحدث معه عن الدين المسيحي ومبادئه  وقد جاء ذكره في  الإصحاح الثامن من سفر أعمال الرسل  وقيل  أن هذا الوزير كان كثيراً ما يقرأ الكتاب المقدس سفر أشعياء وكان مطّلعاً ، ولكنه لم يبذل مجهوداّ في نشر الدين المسيحي بعد عودته  ربما إكتفي بأسرته.

بداية التبشير :

عندما شرع  الإمبراطور جوستنيان أو جوستينيانوس بالتبشير بالمسيحية وسط النوبيين ، فقد وقع هذا الخبر علي مسامع زوجته الملكة ثيودورا فسارعت بإرسال راهب قبطي يدعي يوليانوس وأوفده إلي بلاد النوبة وعند وصوله  قابل  الملك سيليكو وعرض عليه الدين المسيحي وكان ذلك عام 542 م فقبل الملك سيليكو الدين الجديد.

ونجح الراهب في مهمته وأقنع الحاكم والمحكومين بالدين الجديد ، وسرعان ما تم رسم بطريرك الٌأقباط أسقفاً يدعي لونجينوس فبدأ بتعاليم الدين الجديد ومبادئه وكان يعظ فيهم طوال النهار  محققاً النقلة الروحية من الوثنية إلي المسيحية .

الجدير بالذكر أن الأمبراطور جوستنيان أراد التبشير وسط النوبيين علي مذهبه الملكاني والذي ينتسب إليه إلا أنه لم يفلح وذلك لأن زوجته التي تعتنق المذهب الاورثوذكسي اليعقوبي قد سبقته في إرسال موفدها وبعث بخطاب إلي حاكم مصر تطلب منه مساعدة موفدها الخاص في مهمته وفتح الطريق أمامه وأن يضع العراقيل في طريق مبعوث زوجه الإمبراطور جوستنيان  وأن يحُول دون دخولهم إلي النوبة وإلا ستقوم بفصل جسده عن رأسه  وكانت المسيحية قد إنقسمت منذ مجمع خلقيدونية كنيستين كنسية علي المذهب الملكاني وكنيسة علي المذهب اليعقوبي.

قابل الحالكم المصري وفد الامبراطورة بحفاوة وتم قبول المسيحية علي يده وجرت الأمور كما خططت لها .

وعند وصول موفد الإمبراطور جستنيان  إلي النوبة رحب بهم الملك النوبي ترحيباّ حاراّ إلا أنه رفض مذهبه معللاّ انه سلك المذهب اليعقوبي .

فتوجه موفد الأمبراطور إلي بلدة تافة وهي البلدة الوحيدة التي كانت علي المذهب الملكاني ،

(كانت المسيحية قد إنقسمت منذ مجمع خلقيدونية إلي كنيستين كنيسة علي المذهب الملكاني ، مذهب الأمبراطور جستنيان وكنيسة علي المذهب اليعقوبي ، مذهب الإمبراطورة ثيودورا ولذا كان كلاً منهما يسابق الآخر علي نشر مذهبه ، يبدو أن بلاد النوبة لم تكن سهلة وإلا لماذا كل هذا الإهتمام ونار السباق؟)

بعدها طلب ملك علوة من ملك نوباتيا أن يعلمه وشعبه الدين الجديد فأرسل إليهم لونجينوس فوصل إليهم بعد  عناء شديد وبشرهم بالدين الجديد علي مذهب مملكة نوباتيا القبطي وعقيدة زوجة الامبراطور (المذهب الأرثوذكسي اليعقوبي )…

فصارت بطريرك الأسكندرية يرسم أساقفة أقباط ويرسلهم إلي الممالك الثلاث ..

في العام 697م إلي 744 م  وفي عهد الملك مرقوريوس إندمجت مملكة نوباتيا مع مملكة المقرة وإتخذت دنقلا القديمة عاصمةّ لها ومنذ ذلك الحين صارت كل النوبة تدين بالمذهب اليعقوبي خصوصاّ بعد هروب جرجس البطريرك الرومي إلي القسطنطينية وكان كرسي الأسكندرية بغير بطريرك ملكي مدة قرن كامل وبهذا أصبحت الكنيسة القبطية صاحبت نفوذ في بلاد النوبة وتحولت المقرة إلي المذهب اليعقوبي عندما زال نفوذ الملكانيين في مصر ..

 

ربما يعجبك أيضا

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقبل أقرا المزيد...