ابنة السماء

بواسطة ريان النور
83 مشاهدات

هذه ليست قصة حب وربما، لن نجزم بقول انها ليست حكاية اسطورة او ربما نبوءة. و لكن قطعاً هذه تراجيديا، يحدث ان يحدث حدث جلل في هذا العالم و ان يختطف لحظة ظهورة كأن يولد و يخمد الاعصار في مهده.
ليس هناك خلاص من الحرب في هذه المدنية أنا أعلم ذلك جيداً، و لكن ربما حين نأتي بالتضحيات المطلوبة. حين تأخذني السماء قرباناً حينها ستلفظ المدينة من باطن الأرض من جديد، ربما لن تكون الارض هي الأرض و لكنها ستنعم بالسلام.
قالت كلماتها هذه و هي يملؤها اليقين، يحزنني جداً انها طفلة و مثقلة بمثل هذا التكليف. كيف لهذا العالم أن يوكل توازنه لطفلة ذات الأربعة عشر ربيع. لم أعرفها طويلاً و لكن عرفت عنها كثيراً، انظر لها بعين الأب و عيناي تفيض بالدموع ليست كل العواصف في السماء، هنا و الآن هناك عاصفة في صدري كيف لي أن أترك يدها الآن و اهبها للسماء، كيف سأصبح ستصبح المدينة من بعدها. ماذا سيحدث حين نفقد ابنه السماء منا؟! و قبل أن أجيب أو ربما كانت لتكون هناك محاولات ربما فاشلة لإنقاذها و لكن ظهر من العدم… ابتلعها همهمت بابتسامة خافته
من قال ان هذه هي النهاية؟!
ضحكت و إرتفعت الى السماء، و جاءت العاصفه ليس كمثلها شئ….

رحت اخذ نفس عميق و انا أعيد النظر الى هذه المخطوطة، آن الأوان لأسلم عهدتي كحامل للنبوءة. ابتسمت أخيراً جاء ميقاتي أخيرًا انا أيضا سأصعد للسماء. عدت الى بداية المخطوطة و رحت أقرأ عليه، كان لابد أن يعرف عنها، يحتاج الى الخلاص يحتاج أن يعلم لماذا فقدها.

في الخامس عشر من أكتوبر تلبدت السماء بالغيوم، تغير لون السماء الى شئ يشبه اللون الرُمادي و لكن و لسبب ما به شئ من حُمرة ثم فجاه ظهر شئٌ ما، لا احد يستطيع ان يجزم ما هو البعض يقول انه شئ يشبه قنديل البحر، و اخرين يقولون انها حورية او ربما شئ يشبه الإله بوذا، البعض يقول انه ربما شئ تشكل يشبه التنين و لا أحد يعلم منا حقيقة ما رأى كسر جدالهم صوت صراخ رضيع يخيل الي انه اتٍ من بعيد جداً و بعدها هدأ كل شئ و فجاه صفت السماء و كأننا في ليالي الربيع.
لكنني كنت أعلم، كان جميع الذي ذكروه و ليس منهم، بقدر جهلهم للحدث الجلل الذي حدث، لقد ولدت، كيف أخبرهم أننا الآن سنصبح بخير، شعرت بشئ يسري في عروقي لعلة شئ من فرط الحماس الذي دب في نفسي ربما انا الوحيد الذي كان يعلم حقيقة ما حدث، انها مهمتي، علي ان أَجِد الرضيعة مهما كلفني الأمر من جهد و وقت. اردت أن أخبرهم بما حدث و لكن ربما لن يصدقني أحد.
اخذت عصاتي و رحت أجوب بين طُرقات الحِصن، كم أعلم أن هذا الأمر خطير و نحن في حالة حرب. لكنها النبوءة، النبوءات تطلب التضحيات.
مر اليوم و اليومان و مرت السنة، كنت أعلم ان الأمر صعب الحدوث، و لكن يقيني كان أكبر من جميع الشكوك، أعلم جيداً أنني سأجدها.
بعد مرور ١٤ عام….
يصادف اليوم الخامس عشر من اكتوبر الذكرى الرابعه عشر لبحثي عن تلك الفتاه، بدأ الشك يساورني كثيراً و انا الآن كهل ابلغ شيئاً من السبعين، هل يا تُرى كان كل ذلك محض خيال؟!، هل كل تلك السنوات في الايمان بتلك النبوءة راحت سدىً. أنظر حولي و قد حولتنا الحرب الى بقايا، لم تعد الارض هي الارض و لا السماء هي السماء، حتى نحن لم نعد نحن.
يال الغرابة، رحت اجوب بين رفات المدينه احاول جاهداً تفادي أعين القناصين على الأسطح المنهارة، ليس و كأن كهلاً مثلي يهمهم. كان الجو صافياً على غير العادة في شهر أكتوبر، أتوكأ على عصاتي و انظر حولي، هناك في هذا الوقت الغير متوقع اظنني وجدتها، فتاة صغيرة بجديلتين تصلي امام ضريح تكسوه الخضرة رغم ان حولة الدمار،ثم هكذا فجأه و من العدم بدأ يلفها ذلك المخلوق الغريب اعرفة جيداً من خلال النبوءة ذلك الكيان الأبيض المتشكل من الغيوم و حولة الكثير من الضباب، إلتقت عينانا تبسمت في وداعة و بعدها اختفت في العاصفة. صرخت ملئ حنجرتي
توقفي انت ابنة السماء توقفي.
الا انها لم تسمعني و لكن اظن ان مخلوقها عرفني، يقال انه يألف حامل النبوءة. ابتسمت بحسرة انا اعلم نهاية هذه القصة جيداً و لكن أيضاً أعلم ان الحرب ستنتهي.
بقيت امام ذلك الضريح ثلاث ايام بلياليها، أصلي و انتظرها. في صباح اليوم الرابع حضرت، جلست قبالي في شئ من الإلفه لم تقل شيئا و التفتت لتصلي، فعلت مثلها و بعد ان فرغنا من صلاتنا قالت
قنديل السماء أخبرني عنك، انت تعلم ربما عني اكثر مني.
تبسمت في وجهها بحب و رحت اروي لها تفاصيل النبوءة ان كيف بامكانها فقط بالدعاء ان تغرق المدينه او ان تاتي بالعواصف تدك الجبال و لأجل صلاتها تثور البراكين، لكنها كانت تعلم ربما بالتجربة او ربما أحست. كانت تدري حتى نهايتها، كانت تعلم سراً أن الحرب كانت بحثاً عنها و ان تربص القناصين باحثين بعيونهم عنها، تقول انها ربما ستنقذ المدينه لكنها تعلم سلفاً أنها لن تنجو. أخبرتني عن كيف عاشت و ان هذا الضريح لأمها و ان كيف يستطيع قنديلها نقلها للسماء هناك تعيش كإبنة اصيلة لذلك المكان، اخبرتني عن ذلك العالم المدهش بدهشة طفل يروي حكاية مغامرته الاولى بذلك الحماس المفرط. تبسمت لها تارة و شخصت بعيناي و كانني لا أصدق ما تقول، صغيرتي لا تعلم ان حامل النبوءة يعلم كل هذا و صاحبتها تعيشه. لا ادري كم بقينا في تلك البقعه الحدث الوحيد المتغير أن كان يتردد علينا ربما صديقها، أو لعله كان يحبها، لا أعلم و لكنه كان ينظر إليها دائماً في شئ من الدهشه، اظنه يعلم حقيقتها. كان يصلي معها في إلفه كبيره و كأنه يعلم أن هذه الصلوات ستنقذنا. بقينا ثلاثتنا نصلي تارة و نحكي قصصاً عنَّا تارة اخرى و لكننا استنفذنا رصيدنا من حق الحياة ربما، فقد صادتنا أعين القناصين، علا صوت الصافرات، نظرت الي نظرة الذي يعلم انها النهاية اصرت علينا ان نهرب و لكن لم نستطع تركها. مازالت طفلة ودت لو افتح صدري للرصاص لتنجو و لكن لا مناص. صديقها الذي أجهل إسمه نظر الي و توجه الى الضريح و كأنه كان يعلم سلفاً ان هذه هي النهاية و أن لن يفعل شيئاً سوى أن يصلي. و هكذا فجأه جاء صوت صراخ كبير من السماء ظهر قنديلها لف نفسه حولها، اهتزت الأرض و بكت السماء اختلط الجو كانت عاصفة كبيرة على اثرها ابتلعت الأرض المدينة، كيف بقينا نحن؟!، كنّا نطفو معاها فتاة السماء خلاصنا. لست ادري كم بقينا نطفو معها و لكنه لابد و ان كان ردحاً طويلاً، ثم لفظت الارض مدينتا، لا تشبه نفسها كثيرا، وحدة المألوف قبر والدتها مازال يكسوه العشب الاخضر و حولة الكثير من الزهور و الاشجار. قذفت بنا نحو أرضنا و نظرت الي و قد بدأت تختفي، اخبرتني ان النبوءات تطلب التضحيات و ان كان عليها ان تعود الى السماء لموطنها الأصلي و هكذا تلاشت هي و قنديلها.هذا الصمت المدقع بعد صوت اخر رصاصة. لا ريح لا عاصفة و لا رصاصات انتهت الحرب هنا.
هنا انتهت النبوءة.
رفعت رأسي أنظر نحوه، كانت عيناه تلمع في خضره و كأنهما زمردتان، لعله كان يبكي قال لي
– أتعلم حين رُحت أصلي، لم أعلم شيئاً عن حقيقتها او انه ربما كان ذلك المفروض و لكن أسرك بشئ في تلك اللحظة و في صلاتي اظنني رأيتها، لم تكن قرباناً، و اظنها لم تختفي ربما أخذتها السماء لحظة و لكنها حتماً ستعود. رأيتها في ذلك العالم المدهش كم هي مشرقة ضاحكة لعلها أصبحت فتاة الشمس.
و راح يضحك في حماس طفولي و اضاف
– ربما انت حامل النبوءة قصتك انتهت. و لكن مخطوتي لتوها ابتدأت سأبحث عنها، كيف للسماء ان تسلب ابنتها حق الحياة.
ربما كان على حق ابتسمت و شئ من خيال ذلك القنديل يدور حولي، الآن حان وقتي.

في مكانٍ بعيد ربما خارج حدود المدينه، كانت هناك فتاة ذات جديلتين و كان أمامها محراب كثير الخضرة و ملئ بالأزهار، السماء تملؤها الغيوم رغم ذلك اشعة الشمس كانت حارقة. رفعت يداها و راحت تصلي و فجأة، صار الجو صحواً و جاءت رياح بارده على اثرها ابتهج الجميع. داعبت الرياح جدائلها و اخذت تصعد للسماء.

#ريان_النور

Digiprove sealCopyright secured by Digiprove © 2021 Ashraf Eltom

ربما يعجبك أيضا

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقبل أقرا المزيد...