الرئيسية تاريخ وسياحة مع بوركهارت في بلاد النوبة ج (10)

مع بوركهارت في بلاد النوبة ج (10)

بواسطة حسن المكاشفي
نشر اخر تحديث 404 مشاهدات

الآن هو تاريخ الأول من مارس لسنة 1813م من رحلة بوركهارت في بلاد النوبة، وصلنا اليوم إلى قرية الدر بعد الغروب، وأنيخت البعير عند دار حسن كاشف، حيث ينزل عنده وجوه المسافرين، إلا أن الحاكم حسن كاشف كان قد أوىحينها إلى دار الحريم، حيث كان دار الرجال منفصلا عن دار الحريم حسب العادات المتبعة.


إلا أنه وفي الصباح الباكر كما يروي بوركهارت، وجد عنده حسن كاشف، مرحبا به ومستفسرا عن رحلته والغرض منها، وهل هو تاجر أم رسول موفد إليه من والي مصر، يقول بوركهارت كنت أنوي أن لا أطلعه على حقيقة رحلتي، بل أخبره بأنني موفد من الباشا في مهمة سرية للنوبة، لأنني علمت من أهل الصعيد أن حكام النوبة يخشون على تجارتهم في مصر من الضرر من قبل ولاتها إذا تعارضت مصالحهم عندهم، إلا أنه وبسبب وصول أميرين من المماليك قبلي إلى حسن كاشف، وعلمي بما يبطنونه من سوء تجاهي، فضلت أن أخبره بالحقيقة وأنني سائح مثل مستر “لي” ومستر “سمت”، اللذين لقيا التوفيق في رحلتهما، إلا أن حسن كاشف لم يصدق صراحتي هذه، وأنني مجرد سائح قدم إلى بلدهم للفرجة وحسب، وذلك بسبب إلمامي بالعربية، وخبرتي بالعادات التركية، مما حمل حسن كاشف على الإعتقاد بأني تركي، وأنني مبعوث من والي إسنا للتجسس عليه، وما زاد الطين بلة أيضا تحريض الأميرين المملوكين علي، بالرغم من أنهما كانا في غاية اللطف معي قبلها.

بعض آثار قرية الدر القديمة قبل الغرق

لذلك فقد أمضيت اليوم كله وبعض الغد في مفاوضات مع الحاكم للحصول على خبير يصحبني إلى الجنوب، وقد كانت الهدية البسيطة التي قدمتها له وهي (صابون وطربوشان أحمران) خليقة بالقبول لو قدمتها في وقت آخر، ولكن الهدايا التي قدمهما قبلي له مستر “لي” ومستر “سمت” بلغ ثمنها نحو ألف قرش، بالرغم من أن رحلتهما لم تتجاوز أبريم، بينما كانت هديتي لاتتعدى قيمتها ستون قرشا، فقال لي حسن كاشف: “وها أنت تعطيني أشياء تافهة؛ مع أنك تريد أن تتجاوزهما إلى الشلال الثاني”، فقلت له: “صحيح أن هديتي لا تناسب مكانتك، ولا توفيك حقك، ولكنها في الواقع فوق طاقتي، وأنني كنت أخالني مميزا على صاحبي بما أحمل من خطابات توصية من حاكم إسنا”.

وأخيرا بلغت ما أريد بعد أن علمت أن قافة كبرى قادمة من المحس إلى إسنا، فيها بعض من تجارة حسن كاشف، فاختليت به وأخبرته أنني لو عدت إلى إسنا، وعلم واليها بما لقي خطابه من إهمال تجلى في منعي من تجاوز الشلال الثاني مع أنه طلب ذلك صراحة في الخطاب، فإن في ذلك مسوغا لفرض غرامة على القافلة عند وصولها إلى إسنا، فوجم كاشف طويلا، ثم قال لي: “مهما تكن هويتك، وسواء أكنت إنكليزياً كصاحبيك اللذان سبقاك، أم جاسوسا للباشا، فلن أردك خائبا، فامض في رحلتك إن شئت، ولكنك لن تكون في مأمن بعد تجاوزك السكوت، فلتكن هذه البلدة نهاية رحلتك ومنها تعود”، ثم طلبت إليه أن يزودني بخطاب توصية للسكوت ففعل دون تردد، وكذلك جائوني بخبير من البدو، واشتريت لرحلتي زادا من الذرة والتمر.


ونلتقي في الحلقة القادمة في وصف لبوركهارت بشيء من التفصيل للأهالي والنواحي التياجازتها الرحلة من أسوان إلى الدر.

Digiprove sealCopyright secured by Digiprove © 2021 Ashraf Eltom

ربما يعجبك أيضا

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقبل أقرا المزيد...