الرئيسية الأعمدة ديسمبر بداية النهاية

ديسمبر بداية النهاية

437 مشاهدات

هذه الأيام من أواخر العام الميلادي والتي فيها بعض من الناس يراجعون أنفسهم كثيراً، ويحصدون ما زرعوا طيلة عام مضى، فيه من الذكريات الجميلة والمؤثرة الكثير، ويحمل من الوجع والألم الكم الوفير، أو بما يكفي لتوازن الكفتين، فدائماً ما تختلف البدايات عن النهايات، وبما أن خير الأمور أوسطها علينا أن نُوزن الميزان ولا نرجح كفةً على الأخرى؛ فهذا العام الذي قد نودعه بالأحزان هو ذات العام الذي استقبلناه بالفرح والأهازيج من قبل، ولكن تبقى فرحة البدايات في كل الأشياء متشابهة، و (أول حاجة هي أحلى حاجة في كل حاجة)، و أول الطريق دائماً مفروش بالورود لسالكيه، فمن يضع العراقيل لا يضعها في أوله، ومتاهة الحياة لا نشعر بها إلا بعد أن نتعود عليها ونسير على نهجها و نطمئن لها، حينها قد تُذوقنا مرارة غدرها.

هذا العام الذي إستقبلناه بالأمس القريب ها قد مضت أيامه التي لن تعود، كما مضت بعض الأشياء فرحاً وحزنا، كما غاب بعض الناس عنا دون عودة، فكل شخص منا يحتاج إلى جرد حساب العام لمطابقة بعض الحسابات واستخراج الأرباح والخسائر منها، فالإيجابي والمُربح منها يتم ترحيله للعام الجديد، في إشارة إلى تضميد الجراح والألام وقفلها بنهاية العام، وترحيل الأرباح وقفل الخسائر وتصفية المُتراكم منها، فاليوم منها يهدم الشهر، والشهر يهدم السنة، والسنة تهدم العمر، وقد مضت بخيرها وشرها.

رحل العام وحمل معه العديد من الأشخاص، فرحل من كان للمجد عنواناً، و رحل من كان يبحث عن الهوى فمات ولم يهوى، و رحل العالم والجاهل سوياً، و رحل الظالم والمظلوم معاً، فأكثر الأشياء عدلاً في هذه الدنيا أننا جميعاً سوف نموت.
رحل الناس ورحلت معهم الأمنيات والرغبات والطموحات، فمن كانوا يأملون في الحياة مُستقراً ويحلمون بها ذهبوا قبل أن يعلموا أن ذاك الحلم كان كابوساً ايقظتهم به الأقدار، وقد علمنا الزمان أن الحياة أكبر من الأمنيات ودائماً ما تصنع المفاجآت، وأن بعض الأحلام ممنوعة حتى وأن كانت في دستور الحياة مشروعة.

في هذه الأيام ونحن في شهر ديسمبر حيث نهاية العام وبداية الشتاء، وقد مضت الشهور تتابعاً، فشهور الصيف يتبعها الخريف ومعه أمطار تغسل الأرض من عبث الناس بها وتطهرها، و يلي الخريف شتاءً يُثلج الصدور ويسكن القلوب شوقاً ودفء، ومن لمحوا الربيع ولو عابراً فليحدثونا عنه، فقد غادرنا منذ الميلاد ولم نراه، كما جاء في قصص الأجداد للأحفاد فقد رحل دون رجعة، وكما قال ابن القيم: ” السنة شجرة والشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمرها ” فقد كُبرت تلك الشجرة وتساقطت فروعها، ومالت أغصانها وذبُلت أوراقها فباتت لا تُثمر، فأصفرت أوراقها وشاخت عروقها وشارفت على موتها، هكذا نهاية العام بمثابة موسم الحصاد الصغير، وتلك هي حياتنا وأعمالنا فإما شجرة مُثمرة نستعد لحصاد ثمارها و قطف أزهارها، وإما شجرة جافة لا ظل لها ولا ثمار، حيث حصاد الخيبة والندم، ليكون مجرد عام مضى كالذي مضى قبله فلا جديد يذكر ولا قديم يعاد.

من الممكن أن يظل الإنسان واقفاً في مكانه لا يُحرك ساكناً طيلة عام كاملا، وليس الوقوف على القدمين أو المشي بها هو المقصود، إنما التقدم خطوة للأمام وإنجاز المُهمات والشروع في تحقيق الأهداف والرغبات.
عام تلو الآخر يجب أن نجلس ونُحاسب النفس ونعرف ما بها وما عليها، وأين التقصير وإزالة كل العوائق ومواجهة التحديات والصعوبات، بروحً جديدة وتخطيط مختلف عن العام السابق، فتجدد الحياة ينبع قبل كل شيء من داخل النفس، ومن واجه التحديات والصعوبات وصبر عليها قد تُنصفه الظروف وتساعده في الوصول إلى مُبتغاه.

ورقة أخيرة 

دائماً ما يتزامن نهاية العام في شهر ديسمبر مع بداية موسم الشتاء، حيثُ النوم العميق والأحلام الوردية التي تأتي بعد خرِيفاً وصيف شديد الحرارة، فيه تتبخر الأحلام وتتمزق القلوب التي تغمرها الأوجاع وتهجرها الحياة، فالكل يفر من وحشة الصيف، عندما تفرض الشمس ولايتها على السماء ملكةً تحكم الأرض بحرارتها، متوجةً نفسها رمزاً للطبيعة، فأيام الصيف شهور عجاف ثقيلة الخُطى، إلى أن يهل ديسمبر ببشرياته مُعلناً بداية موسم الشتاء وميلاد جديد للأُمنيات في عامها الجديد.

Digiprove sealCopyright secured by Digiprove © 2020 Ashraf Eltom

ربما يعجبك أيضا

1 تعليق

Avatar
Ibrahim 2020-12-24 - 9:56 مساءً

تتوالى الاعوام و تمضي سريعا ، الله يصلح الحال و يسهل الامور.

Reply

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقبل أقرا المزيد...