عدت مسرعة إلي البيت حينما أحسست بقرب الغروب، كل تفكيري كان منصباً في لحظة دخولي وكيف سأستطيع الوصول إلي الغرفة ومنها إلي الدولاب دون أن تلاحظني.

أمي وتعتب علي ملابسي المتسخة. أعرف أنها طريحة الفراش، لا أدري ما بها ولكني سمعت إخوتي يتهامسون ” الكيماوي” وأشياء أخرى لم أفهمها، هذه الكلمة فقط تكررت كثيرا. من على البعد رأيت تجمهر أُناس قرب بيتنا، ماذا هناك يا ترى؟… رأسي خال من الخيارات فعقلي مشغول بشأني الخاص؛ ملابسي وأقدامي الملطخة بالأتربة من اللعب طوال النهار.
عجبا التجمهر أمام بيتنا!، الكثير من الرجال بالخارج وعدد كبير جداً من النساء بالداخل، كان الهدوء يعمُ المكان ولكن ما أن رآني شقيقي الأكبر قرب الباب حتى حملني وأخذ ينتحب وجسده يرتعش، كيف لم يلحظ ملابسي المتسخة وأقدامي التي جمعت الأتربة الناعمة كالمغنطيس يجمع مسحوق حديد. ما إن حملني أخي بدأ النسوة بالبكاء وأعينهن علي وبعد أن أنزلني سرت في وسط النساءوكأني موجة، لا يعلو البكاء إلا حيث أنا. هاهي جارتنا تجلس أرضا أردت سؤالها “ماذا يحدث في بيتنا؟” ولكنها ما إن رأتني حتي غطت وجهها واختلج جسدها.
ساذهب لأسال أمي، لم أصل إلي حيث تركتها أبدا، فأختي احتضنتي فجأة وهي تصرخ “أين أمي… يا أمي” ثم سقطت مغشيا عليها…. ومن بعدها تنقلت في كثير من الأحضان… إبتلت أكتافي وكدت أختنق كثيرا حتي وجدت نفسي في حضن خالتي التي كانت هادئة ولكن عيناها تقطر دمعا، أمسكتني بهدوء وضمتني اليها برفق ثم بدأت تهز جسدها جيئة وذهابا ومابينهما يرتجف جسدها ثم يهدأ، همست في أذنها “خالتي أين أمي” أجابتني بقبلة علي خدي بوجهها الذي يتلألا من البلل وعادت الي احتضاني واخذت تهزني.. جيئة….. ذهابا…. جيئة…. ذهابا….. حتي غصت في نوم عميق…
– اااااااا… اااااا
أفقت علي صوت بكاء، صوت صغير، حديث الاحتكاك بالهواء، فتحت عيني بصعوبة، كل جفن كان بوزن طن. طالعني وجه خالتي.. مابال وحهها مجعدا هكذا؟؟!!…. اقتربت مني تحمل شيئا في يدها
– حمدا لله علي سلامتك
طبعت قبلة علي جبيني ووضعت طفل صغير علي صدري. مثل امواج البحر عادت الي ذاكرتي وتفاصيل حياتي كل حدث يطارد الآخر. مولودي الأول بعد صراع مع الحمل طوال تسعة أشهر وولادة طارئة الآن هو امامي والنور يخرج من بين عينيه ويدخل إلي قلبي مباشرة، قلبي وقّع وختم علي ذيل الضوء أني فداك بعمري وروحي. صرت أما وعرفت معني الأمومة، الآن والكون يغط في نوم عميق والظلام يلفه، وأنا أفي وسط بيتي الذي عمه الظلام إلا من ضوء عيناي المحمرتان مثل الجمر وضوء هاتفي الذي أضعه بعيدا لأري موضع قدمي، أهز الصغير جيئة وذهابا وقد إنتصف الليل. تذكرت معلمتي التي قالت”لا تكتبوا عن موضوع الأم في الإنشاء فهو موضوع سهل يكتب فيه الجميع” كنا أبواب إمتحانات شهادة الأساس والمنافسة علي مستوي الولاية. كيف يعبر عن الأمومة من لم يعشها، ماذا يعرف عنها، حبي لأمي صار شيئا متواضعا بعد أن عرفت كيف تحبني هي بعد أن جربت وفهمت، مهما عظمت حبي لها في كتاباتي فلن يكون شيئا يذكر وأعلم جيدا أنها لم تننتظر يوما أن أعبر لها عن حبي فإحساسي أيا كان لن يطمس توقيع قلبها علي جبيني فهي مرغمة بحب. شىئا واحد فقط أردت أن تعلمه أمي؛ أني ظللت طيلة حياتي أبحث عنها في البيت، حتي عندما كبرت لم أستوعب ماهية الموت وكنت أسال نفسي دوما ” ألن تعود للحظة واحدة؟؟؟” أمي الغائبة الحاضرة.

 

ربما يعجبك أيضا

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقبل أقرا المزيد...