الرئيسية تاريخ وسياحةشخصيات سودانية من هي الحاجة الشفاء بشير عتيق

من هي الحاجة الشفاء بشير عتيق

بواسطة مجلة السودان
نشر اخر تحديث 187 مشاهدات

تعرف علي شخصيات سودانية …الشفاء بشير عتيق
رحم الله الحاجة الشفاء بنت عتيق رحمة واسعة
الشفاء عتيق .. وغدا سيذكرك الزمان ولم يزل.. !
في حياتنا اليومية نصادف الكثير من الشخصيات ولكن حضور بعضها في مشوارنا الحياتي يكون عادياً دون أن يترك أثراً يشير إلى تميزه أو تفرده بما يحمل من معاني وقيم سامية، وفي المقابل هناك من تلتقيه ويجعل لنفسه مكانة خالدة، لا يستطيع غيره أن يملأ الفراغ الذي يخلفه رحيله وليس بمقدور أحد أن ينسخ البصمة التي وضعها لتظل شاهدة على جلائل أعماله وعظمة منجزه الأنساني ..!

وبتاريخ 27 مايو 2018 انقضت أيام العمر للحاجة الشفاء بشير عتيق، وشيعت لمثواها الأخير بمقابر حمد النيل حيث توسدت التراب بجوار والدتها الحاجة أمنة محمد علي “طلق النار”، كثيرون تداعوا وهرعوا إلى إلقاء النظرة الأخيرة عليها وهي ملفوفة بالثوب الأبيض ومحمولة فوق الأعناق وتحفها دعوات واستغفار جموع المشعيين لها بالمغرة والرحمة.
فقيدتنا الراحلة لم تكن مجرد أمراة عاشت حياتها كمثل سائر نساء بلادي، بل تميزت وجعلت لنفسها مكانة تسمو إليها الأرواح والأفئدة وتلهم من حولها وتجعله حريصاً على أن يؤدي دوراً في الحياة ويكون من حملة مشاعل التنوير، وألا يتكفي بمقاعد المتفرجين وما أكثرهم، أثرت في مجتمعها المحلي والأسري سواء من تربطها بهم صلة القربى والرحم، أو من عاشرتهم في المدن والمناطق التي تنقلت إليها برفقة زوجها المهندس الراحل محمد التلب الطاهر في قرى الجزيرة وسنجة وكوستي والدويم، والخرطوم.
ولم تنس الراحلة «المولودة في 1926»، خدمة بلادها حيث عملت في سلك التعليم باعتبارها من أوئل المعلمات اللائي تخرجن من كلية المعلمات “التربية جامعة الخرطوم حالياً”، في زمن لم يعرف تعليم المرأة انتشاره الواسع كما الآن فكن قلة آنذاك، وعملت مدرسة في حلفا ومدني وأم روابة .. لتضع التباشير وتفرغ يدها من الأقلام في العام 1945 كما جاء في سفر “أم روابة رجع الصدى ودعوتان” للكتاب الراحل البروفيسور محمد عثمان السماني، حيث كانت من أوئل المعلمات الرائدات في مدينة أم روابة وقتها، لتقرر عندها التفرغ التام لتربية أبنائها وحياتها الأسرية مرافقة لزوجها في حله وترحاله بحكم عمله الهندسي.
حباها الله بعدة مميزات منها سعة الأطلاع والقراءة بحكم نشأتها الأسرية في بيت دين يتبع الطريقة التيجانية من جهة والدها الذي يندرح نسبه من حلفا الملوك «آل دوليب»، وكذلك تأثرها بأخيه الشاعر محمد بشير عتيق الذي نسج الدرر في حديقة الغناء السوداني بأغنيات خالدات على مر العصور تتناقلهن الألسن جيلاً بعد جيلاً.
أكتسب الراحلة صفات الحكمة والقيادة في محيطها الاجتماعي مشكلة حاضنا يتسع قلبه للجميع ويتقبلهم على اختلافهم ويسعى لإصلاح وتقويم الخلل أينما وجد فكان دارها العامر في المقرن وأم درمان بحي ود البنا، قبلة يقصده الطلاب من أبناء أهلها فكانت هي المعلمة والمربية في ذلك المنزل والمدرسة التي خرجت أجيالاً تبؤات مواقع وأعطت في ضروب الحياة المختلفة ومن خلفهم وقفت تلك المرأة العظيمة التي آثرت على نفسها أن تكون خير معين ووعاء جامعاً لأهلها وبوتقة انصهر فيها الجميع ونبع من فيضها وتعلم ما لم يجدها في موضع آخر و عليه يحمد الله أن سخر له تلك المرأة لتقف من خلفه داعمة ومرشدة.
برحيلها الحزين تكون قد أنطوت صحفة عامرة بالبذل والعطاء قدمت ولم تستبق، ولم تترك شئياً في حياتها لمحض الصدف بل كانت مدبرة ومخططة بارعة في حياتها التي حالفها النجاح والسداد، لم تنس من ذلك حتى مراسم مأتمها وأين يكون وبأي أرض تدفن هكذا تحدث البروفسيور علي شمو في تأبينها مشيراً إلى أنها أوصت بدفنها في مقابر حمد النيل، وأن يتقبل العزاء عليها في حي ود البنا، ونفذ ذلك كما خططت بنفسها.
وواصل شمو سرده لملامح مضيئة من حياتها واصفاً إياها بالمرأة العصامية وصاحبة البصيرة الثاقبة التي تجيد النظر إلى المربع بأكمله دون الاكتفاء بجزء محدد لتخرج تصرفاتها وقراراتها وافية وشاملة تعالج الموقف بحكمة نادرة.
بكاها كل من عرفها بدمع سخين، وترحم عليها كل من عرف فضلها وعظمة أعمالها، ونعاها أهل ود البنا الذي كانت أحد أبرز معالمه التاريخية وجزء من تاريخه العريق، بتداخلها ومودتها مع أهل الحي فكانت الأم الرؤوم لجميع ساكنيه الذين أوجعهم رحيلها وبان عليهم التأثر بفقدها الجلل الذي حتماً سيترك فراغ وجرحاً لن يندمل مهما تقادمت عليه السنون، وفي سيرتها سنظل نحكي للجايين، لتعرف الأجيال المقبلة من هي الشفاء عتيق وكيف قضت حياتها من أجل إسعاد وراحة الأخرين متحملة الشقاء وضنين التعب في سعادة وبشاشة وحبور وهي تتطلع لغد مشرق مزدهر متمنية الخير للجميع..
وأخيرا لم أجد تعبير أكثر إجازاً من مما قالها الشاعر أحمد شوقي في رثاء صديقه حافظ إبراهيم ليكون خاتمة لهذا السرد غير الوافي لحق الراحلة..
خلفت في الدنيا بياناً خالداً
وتركت أجيالاً من الأبناء
وغداً سيذكرك الزمان ولم يـزل
للدهر إنصاف وحسن جزاء

محمد فايت – صحيفة الجريدة 5/6/2018

Digiprove sealCopyright secured by Digiprove © 2020 Ashraf Eltom

ربما يعجبك أيضا

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقبل أقرا المزيد...