الرئيسية تاريخ وسياحة سيرورة و صيرورة أردوان عبر الزمان والإستشهاد بمآثر الآباء والإخوان

سيرورة و صيرورة أردوان عبر الزمان والإستشهاد بمآثر الآباء والإخوان

بواسطة هشام ساتي قريشي
816 مشاهدات

لا شك أن لليقظة ثمن باهظ ولكن لا يساورنا أدني شك بأن هنالك رجالات صامدون قادرون علي دفع ذلك الثمن مهما بلغت كلفتها وهذا ما فعله أسلافنا بمنطقة أردوان المحس إذا تعتبر فترة الخمسينيات من أكثر الفترات التي شهدت فيها أردوان صراعاً عنيفاً علي كافة المستويات سياسياً وثقافياً وإجتماعياً ومن أنجحها قياساً بمدى الخدمات التي توفرت فيها من مدارس وشفخانات وغيرها. دارت تلك الخلافات مع الإدارات الأهلية التي إشتكى منها حتى طوب الأرض على ظُلمهم الواضح الفاضح وتتمثل هذه الإدارات في المشايخ والعمد وغيره ولولا وعي أهلنا بأردوان لضاعت المدرسة كما ضاعت شفخانة أردوان القديمة ( سنتحدث عنها لاحقاً ).

فقد برزت هذه الخلافات بين أهالي أردوان وعمدة أملي المحس إلي السطح حتى وصلت إلى مركز الدامر بإعتباره أعلى نقطة للتعليم في ذاك الزمان ، و كانت تدور نقطة الخلاف حول إنشاء مدرسة أولية ، فأهل أردوان يرون أنهم أحقُ بها ، بينما يرى عمدة أملي أنهم أًولى بها نسبةً لسلطته و بإعتباره العمدة وعلى مقربة من مقر إقامته ولذا أختار منطقة حبراب لإنشاء المدرسة وقد سانده في ذلك أعيان تاجاب بقيادة الشيخ إسماعيل عيسى و أهالي همبكول.

فريق أردوان بقيادة المرحوم سيد أحمد حسن خليل وتضم جوقل ، ملجاب ، شرقفاد ، كسيكونجا، ومن الأسماء التي لعبت دوراً بارزاً في أردوان عثمان أحمد ، أحمد خيري ، محمد محمود بقاس ،محمد إدريس دياب ، محمد يوسف همت ، محمد جمعه طه ،بدري محمود وغيرهم. إلى جانب محمد عبد الرحمن ، مختار خليل ، ومحمد مرسي وأمين عبد الغني من جوقل ، محمد إبراهيم وشيخ موسي طه من أعيان ملجاب ، ومرسي وراق وإدريس من كسيكونجا هذا الأخير لعب دوراً بارزاً أكثر من أهل أردوان أنفسهم و أصر إصراراً شديداً على إقامة المدرسة بأردوان.

اشتد الخلاف بين الفريقين ورفض كلا الطرفين التنازل للآخر ، إلى أن قام المفتش بزيارة للمنطقتين فوجد أن العدد بأردوان كبير جداً و يفوق حد التوقع و بذكاء شديد إستطاع المرحوم سيد أحمد جمع أكبر قدر من الفئة المستهدفة للتعليم وطلب منهم بضرب الأرض بأقدامهم وأن يهتفوا بأعلى صوتهم أمام المفتش (دايرين مدرسة هنا)، ولطالما ساروا دروبًا كانت وعرة وأمورًا كانت عسيرة ،كيف لا ؟ وهم يملكون من القُدرة ما يجعل المُستحيل ممكنًا والأحلام واقعًا والأماني البعيدة بين أيديهم ، كم كانوا مدفوعين بنداءٍ أخلاقيٍّ داخليٍّ من أجل أن يحوزوا بأكبر قدرٍ من الرضى عن النفس بخدمة البلد ، هاهم يرون بشارات وحصائد أعمالهم قد دنت قِطافها . نعم تحقق كل شئ بعد أن تفحّص المفتش الرغبة الشديدة على وجوه طلاب أردوان و حماس رجالهم وكثرة عددهم تحدث قليلاً مع الوفد المرافق له وعلى الفور أمر بالتصديق على إقامة المدرسة بأردوان وكان ذاك في العام 1954م ، وقتها كان التعليم لا زال على السّلم الرباعي. 1955م تم إفتتاح المدرسة ثم أعقبه داخلية للبنين و شفخانة وتم تجهيز ميس للدكتور كل هذا كان بإشراف المقاول حسين (من وادي حلفا) وفي العام نفسه تم تعديل السلم التعليمي إلى السلم السداسي كما نُصِب الأستاذ عبد الخالق عباس كأول مدير للمدرسة ، عمل فيها لمدة عام كامل تم نقله ثم أعيد إليها مرة أخرى . يُذكر أن المرحوم محمد حسين(سوري) تبرع بمنزله في السنة الأولى ليكمل الطلاب فيه عامهم الأول ثم مواصلة عامهم الثاني في المدرسة لأنها كانت قيد الإنشاء حتى لا تضيع فرصة عام كامل للطلاب و قيل أنه كان مولع جداً بالتعليم ،فأن يتبرع رجلٌ بمنزله في ذاك الزمان لم يكن إلا حرصاً منه على التعليم و ربما لحكمة يعلمها هو ،فكلّ فرد منا له مقدرة عقلية خاصة وأن لو إقترح المرحوم محمد حسين بإقامة المدرسة بحي سوري لكان وجد من يعارضه ولذا ربما تبرع بمنزله حتى يتعود الطلاب على الحي وتبدو الأمور طبيعية حتى في حال إنشاء المدرسة ولو أمام منزله.

رحلة نجاح آخر في العام 1963م (التاريخ ليس دقيق بحسب الراوي) تحرك وفد من أردوان مكون من ثلاث أشخاص وهم: عبد اللطيف طه وعثمان أحمد ومحمد يوسف ( والد الأستاذة فاكرة وهي أول مديرة لمدرسة صُلِب المحس ). وصل الوفد إلى مدينة عطبرة وحلوا ضيوفاً بمنزل الأستاذ محمد خير من كجبار (ابن خالة جدنا ساتي) وشرحوا له الغرض من الزيارة وأنهم بصدد إنشاء مدرسة للبنات وبالفعل تحرك معهم الأستاذ محمد خير وتوجهوا إلي الدامر لمقابلة الأستاذ عبد اللطيف مسؤول التعليم بالدامر وهو من أبناء دلقو المحس ولم يخيّب ظنهم علي الفور تم تصديق مدرسة للبنات وكانت مكونة من أربعة فصول فقط ، فيما بعد تم إضافة الفصول الناقصة عن طريق مجلس الآباء ومن ضمنهم سليمان عبد الملك وشقيقه طه عبد الملك وساتي قريشي وبعض الأسماء التي سقطت سهواً عن ذاكرة الراوي. ولاحقاً تم إضافة المدارس المتوسطة للبنين والبنات مع الداخليات وقاموا بفتح مجال للتدريس بشرط الحصول علي الشهادة الثانوية ومن ضمن الذين وقع عليهم الإختيار الأستاذ عبد الرسول النور وتم إختياره عن طريق عبد العزيز حسن وبموافقة من شقيقه سيد أحمد وإدريس بدوي وتم هذا التعيين من داخل دكان إدريس بدوي بالخرطوم.

وبهذا إستطاعت أردوان أن تتبوأ مقعدها مبكراً وتضع نفسها مع قائمة الكبار بفضل جهود رجالهم الذين ضحوا بأفضل ما لديهم. حسب إفادة أحد مصادري الشفهية وهو شاهد عصر في ذاك الزمان أن أول الخلافات بدأت عندما تم نزع سلطات المرحوم حسن خليل والد سيد احمد وتسليم مهام العمودية إلي أسرة فقيري و وصلت مداها بسبب ختم يحمل إسم شفخانة أردوان الجديدة ، و هذا ما ذكرناه في بداية مقالنا هذا، فبعد تصديق الشفخانة وتسليم الختم تفاجأ الناس عن تسمية شفخانة أردوان الجديدة ،وتساءل البعض ومن ضمنهم الأستاذ سيد جعفر هل توجد شفخانة قديمة أصلاً؟؟ بعد التحري إتضح أن هنالك شفخانة كانت مصدقة بالفعل لمنطقة أردوان إلا أنها تم تحويلها إلى منطقة أملي المحس و هي منطقة العمدة محمد عثمان ، ويذكر أن الممرض محمد منور من الذين خدموا في هذه الشفخانة. وعلى الرغم من إستمرار الخلافات لفترة من الزمن إلا أن أردوان إستطاعت أن تضع نفسها في الطليعة والريادة ولا زالت محتفظةً بها حتى الآن وما الشروع في إنشاء المدارس ثانوية إلا إمتداد وربط الحاضر بالماضي. الجدير بالذكر أن عمدة أملي في ذاك الزمان هو محمد عثمان ،شقيق محمد طه عباس ، هذا الأخير صار فيما بعد عمدة دلقو بعد نزع سلطات وصلاحيات فرح صالح عمدة دلقو لأسباب سياسية سنذكرها فيما بعد، ويجب أن أذكر هنا أن هنالك صلة قرابة ورحم ودم بين عمدة أملي وآل ساتي قريشي التي إنتمي لها.

أردوان السياسية :

في العام 1956م وبعد أن نال السودان إستقلاله وسُميّ الزعيم الأزهري زعيم الحزب الوطني الإتحادي كأول رئيس وزراء قرر بزيارة المديرية الشمالية ولم تكن أردوان ضمن خططه و برامجه إلا أن المرحوم سيد أحمد حسن خليل وبصفته رئيس الحزب الوطني الإتحادي قاد وفداً و إلتقى بوزير الإستعلامات في عكاشة وأصر على إضافة أردوان ضمن المناطق المقرر زيارته ، وبالفعل زار الزعيم أزهري أردوان وفي معيته مبارك زروق ويحيي الفضلي وقام بجولة تفقدية للمدرسة وبعدها تحرك صوب دار سيد أحمد حسن خليل الكائن بالجزيرة ونسبة لوعورة الطريق تخوف السائق الخاص للزعيم الأزهري من العبور تجاه الجزيرة إلا أن المرحوم سيد أحمد طلب من السائق أن يتنحي جانباً وأمر أحد أبناء أردوان بقيادة السيارة والعبور بها إلى دار المرحوم سيد أحمد في الجزيرة وقد نجح فيها وكان هذا الرجل هو العم نوري عبد المجيد رحمه الله والذي عمل فيما بعد ضمن هيئة الأمم المتحدة بجمهورية مصر العربية.

وفيها قدم الزعيم الأزهري ليلة سياسية كبرى حضرها أعيان البلد ومن ضمنهم العمدة محمد عثمان والذي حضر على ظهر دابته وكان هذا بمثابة إنتصار كبير للمرحوم سيد أحمد أن يأتي العمدة بنفسه ،وقيل أن المرحوم سيد أحمد طلب من الأطفال بتقليد صوت القطط أمام العمدة نكايةً له. نجح المرحوم سيد أحمد في قيادة الحزب بأردوان وإستطاع أن يكسب حشد كبير فيما شغل شقيقه عبد العزيز حسن خليل منصب رئيس حزب الأمة بأردوان وصار فيما بعد من المقربين جداً للإمام الصادق المهدي وشغل وظيفة مسؤول التموين بولاية الخرطوم وهو من مؤسسي مدينة الشجرة بالخرطوم وله مدرسة يحمل اسمه بحي الشجرة ، وإحتفظ السيد إدريس بدوي بزعامة حزب الشعب الديمقراطي.

بعد زيارة الأزهري بفترة وجيزة و على سبيل التفقد والإطمئنان قرر محافظ المديرية الشمالية بزيارة أردوان بصحبة السيد محي الدين صابر عبر رحلة نيلية وفي طريقهم قاموا بزيارة العمدة وطلبوا منه مرافقتهم وعند وصولهم إلى أردوان تفاجأ سيد أحمد بوجود العمدة مع الوفد المرافق وهذا الأمر لم يعجبه إطلاقاً ، أدرك السيد محي الدين صابر مدى ضيق المرحوم سيد أحمد ، وسرعان ما أخذه جانباً ومنعاً للإحراج أمره بالهدوء قدر الإمكان حتى لا يفسد الزيارة، فكلاهما من نفس الحزب و بينهما صداقة قوية أيضاً ، لم يتمالك سيد أحمد نفسه و بدأ يهتف بأعلى صوته (خرج المستعمر و لكن أذناب الإستعمار لا زالت باقية ). هذه الأحداث ربما دارت في المدرسة المتوسطة للبنين. و لكن السؤال هل كان العمدة فعلاً من الموالين للإستعمار ؟ ربما ولكن بربط الأحداث ربما كان صادقاً فقد ذكرنا من قبل سحب صلاحيات سلطات عمدة دلقو و تنصيب شقيق محمد عثمان عِوضاً عن عمدة دلقو بين العام 1924م إلى 1925م وذكرنا أنها كانت لأسباب سياسية فالعمدة فرح صالح هو جد الملازم ثان سيد فرح ثاني رجل في ثورة اللواء الأبيض بعد البطل علي عبد اللطيف ومسؤول السجن الحربي في ذاك الزمان وهو من أخرج كل المساجين الحربيين وسلحهم لضرب الإنجليز إبان مقتل حاكم الخرطوم السيرلي إستاك بمصر.

وعلى أعقاب تلك الأحداث تم نزع صلاحيات جده وزج به وبأهله في السجن وتم إغلاق مدرسة دلقو الأوليه بسببه وأعيد فتحها بعد معاهدة النحاس 1937م. وتم تنصيب محمد طه شقيق عمدة أملي كما ذكرنا من قبل و بصلاحيات واسعة ومنحت له أراضي بربى منطقة تقع في دلقو.

الإخوة أعداء السياسة أشقاء الدم :

لا أدعي الإلمام التام عن سيرتهم العطرة بقدر ما حاولت جاهداً البحث عن مصادر يمكن الوثوق بها سواء كان راوي عن راوي أو شاهد عصر أو من سمع عنهم وفي إحدى مكالماتي الهاتفية قال لي محدثي أنه في سنة من السنين أجريت إنتخابات فكان من ضمنهم عبد العزيز شقيق المرحوم سيد أحمد ممثلاُ عن حزب الأمة فيما مثل السيد محي الدين صابر عن الحزب الإتحادي ولأن معظم أهل أردوان كانوا يتبعون للحزب الأتحادي خشي عبد العزيز من المنافسة فجمع أهل أردوان في داره وطلب من شقيقه سيد أحمد التحدث مع أهل أردوان للتصويت لصالحه، ولكننا نعلم أن سيد أحمد إتحادي ولذا لم يتحدث كثيراً فقط اكتفى بقوله (أدو لعبد العزيز) و في داخله غير ذلك. من الهتافات التي كان يرددها شباب أردوان في الإنتخابات : “حزب الأمة وجهه ضلمة راقد جوة وعندو حمي” ( ربما كان الصادق مصاب بحمي ). و “الزرزور أكل القندول وجبنا الفاس وقطعنا الرأس” ، ( للتقليل من ممثل حزب الشعب ) كان شعارهم “الزرزور بس يا كدايس أزهري فايز” .. الطريف في الأمر أنه عندما زار السيد الصادق المهدي أردوان المحس طلب أحد الوفد إستخدام بيت الأدب فأرشده عبد العزيز إلى منزل شقيقه سيد أحمد فرفض الأخير رفضاً قاطعاً و أحرجه لأنه حزب أمة ، عندها غضب عبد العزيز وقرر أن يشيد قصراً بمرحاض نكاية لأخيه. مكث المرحوم سيد أحمد حياته في أردوان إلى أن مات وقبر بها من أبنائه الأستاذ محمد سيد أحمد والمرحوم صديق سيد أحمد وهو من الرعيل الأول الذي خدم في شركة أرامكو السعودية.

هذه المعلومات تم الحصول عليها عن طريق الهاتف .

مصادر : الأستاذ سيد جعفر العم كمال عبدون شيخ عبد الرحمن الصديق (حفيد المرحوم سيد أحمد) الوالد يحيي ساتي ومحمد محجوب.

Digiprove sealCopyright secured by Digiprove © 2021 Ashraf Eltom

ربما يعجبك أيضا

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقبل أقرا المزيد...