برمنجهام افريقيا (3)

بواسطة ابرار نصر احمد
334 مشاهدات

تحدثنا في ما سبق عن أهم الصناعات المحلية المروية التي لعبت دوراً هاماً في الإقتصاد المروي، وهنا  سنطلع على الجانب الديني في هذه الحضارة الضخمة “حضارة مروي”.

الديانة في مروي هي مثل الوجوه المتقلبة الأخرى من الحياة في النوبة العليا، وإن دراسة العبادات المتعددة الموصوفة بالصروح تعكس أن الشعب المروي إشتق أفكاره الدينية من مصر، أن أغلبية آلهتهم و رموزهم الدينية ظلت دائماً لصيقة الشبه بما أخذ به الفراعنة.

ومن خلال النقوش يتضح لنا عقد الملوك المرويون الأوائل الولاء لآمون كعنصر أساسي لفترة تقلدهم العرش دونما شك، والتوقير الذي أخذ به. رغم ذلك كان للمرويون آلهه تخصهم بالفعل، ليس لها نظراء مصريين، ويعتبر آباداماك واحد من هؤلاء، بل أصبح إلهاً لجزيرة مروي.

المعبد المروي المألوف في الحقيقة قليل الشأن نسبياً، إذ يشتمل على غرفة مستطيلة منفردة يدخل إليها عبر بوابة مقوسة ضخمة ومثال لذلك “معبد الأسد بالنقعة ” الذي بقى حياً حتى اليوم. بعض المعابد الكبيرة لها أربعة أو ستة أعمدة داخلية تقيم السقف الخشبي المنبسط، في حالات معدودة كانت غرفة العبادة تُحجب عن بقية هيكل المعبد بفاصل داخلي. وفي حالات قليلة معدودة كانت هناك قاعة أمامية مستقرة في مقدمة البوابة المقدسة الرئيسية. يوجد إستثناءان ملحوظان ملحوظان للرسم العادي للمعابد هما: معبد الشمس في مروي، والمعبد الذي يقع بين المسور العظيم في المصورات، يعتقد أنه يمثل واحداً من عدد من التأثيرات الآسيوية في ثقافة مروي كلاهما له أعمدة منتظمة الأبعاد تحيط بداخلهما غرفة للعبادة ذات أسوار تنقيب جدرانها منفردة وسط المبنى.

لاشك أن معابد آمون هي الأكبر حجماً و عدداً. ووآمون يبرز بين الرسومات الجانبية في المعابد المروية الخاصة، لكنه لم يعد سيداً بأقوى مما هو عليه حال عدد من العبادات الأخرى. ربما ينطبع من هذا أن الدين المنظم في الفترة المروية كان شأناً ملكياً بدرجة غير مطلقة تماماً كما كان عليه في عهود نبته، فقد كان عليه أن يلبي حاجات عناصر أخرى من السكان إلى جانب الأسرة الحاكمة.

في منطقة مروي على الأقل يلي آمون في الأهمية الإله الأسد “آباداماك” كما ذكرنا أنه لايوجد له نظير مصري وكان له معابد في مروي، و المصورات، و النقعة، و يبدو تقديس آباداماك على وجه الدقه في المصورات الصفراء. و نقش على جدران معبده الكلمات التي يخاطب بها الإله بهيروغلفية مصرية جيدة، كانت ذات أهمية مطلقة وهي( التحيات لك، آباداماك، سيد النقعة، إله عظيم، سيد المصورات الصفراء، إله جليل على رأس النوبة، أسد الجنوب، قوى الزراع) ويقال أن الإله الأسد كان حارساً محلياً للجنوب المروي “حيث كانت الأسود شائعة وافرة حتى القرن الأخير” ونلاحظ أن قليل ما نسمع عنه في النوبة السفلى. و المكان الذي أودعت بها المعابد الخاصة بعبادة آباداماك في المدن الجنوبية تمثل بهذه تمسكهم بالتقاليد الدينية المحلية.

في جبل قيلي يوجد لوحة النصر المُمثل فيها الإله الشمس، والذي ربما كُرس له معبد الشمس في مروي، وهو مثل آباداماك ليس معبوداً مصرياً فيما عرف عنه، لكنه أقل هيمنه من الإله الأسد بكثير في النصوص الدينية المروية الباقية. وبما كان تقديسه في مروي دليلاً على انتشار طائفة إله النور الفارسي، التي كانت تنال شعبية في أجزاء عديدة من الإمبراطورية الرومانية في نفس الفترة وهي تأثيرات شرقية. يمتهن علماء كُثُر التسليم بها في ثقافة الجنوب المروي.

أما إيزيس، التجسيد المصري للألهة الأم القديمة قدم الدهر، تظهر في الرسومات الحانبية للمعبد المروي، وكانت لها معابد مكرسة لعبادتها بوجه خاص في مروي و ودبانقا، تقديسها كان لكل الأغراض العملية ديانةً لدولة البطالمة و المحافظات المروية في النوبة السفلى، كانت إيزيس مهمة فيما يتصل بالطقوس الجنائزية للمرويين مثلما كانت كذلك في مصر. وفي العدد المتضخم لطاولات القرابيين الجنائزية، يمكن أن ترى من خلالها تقديس الإله أوزريس وهو الإله التقليدي للأموات، وكثير من هذه الطاولات القربانية تبين الألهة نفثيس والإله أنوبيس وكلاهما معنى بطائفة الموتى في مصر ورغم عن أن صيغة هذه الطاولات القربانية والنقوش مروية، فإن الأفكار اللاهوتية المتضمنة فيها مصرية.

وبتأكيد الطقوس الجنائزية لعبت دوراً هاماً في الحياة الدينية لمروي. سنطلع عليها في العدد القادم بتفاصيل أكثر دقة.

ربما يعجبك أيضا

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقبل أقرا المزيد...